الخشوع في الصلاة
قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) "المؤمنون". خاشعون: أي خائفون ساكنون.
معنى الخشوع
1- هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته. "تفسير ابن كثير".
2- هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل. "المدارج1/520"
ومحل الخشوع القلب وثمرته على الجوارح، والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح، فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له، فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون، فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية .
مراتب الناس في الخشوع
والخاشعون درجات، والخشوع من عمل القلب يزيد وينقص، فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء ومنهم من يخرج من صلاته لم يعقل شيئا، والناس في الصلاة على مراتب خمسة:
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكنــه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها ..
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرا بقلبه إليه.
فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرّب من ربّه، لأن له نصيبا ممن جُعلت قرّة عينه في الصلاة، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الآخرة، وقرّت عيـنه أيضا به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله قرّت به كل عين، ومن لم تقرّ عينه بالله تعالى تقطعّت نفسه على الدنيا حسرات."الوابل الصيب ص:40"
ولكن!! كيف السبيل إلى الخشوع في الصلاة؟ وما هي الوسائل التي تعين على ذلك؟
هناك أخي المصلي أسبابٌ يرجى لمن فعلها أن يرزق الخشوع في الصلاة وهي على قسمين:
أولاً: أسباب لا تتعلق بالصلاة وهي:
1- توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
2- تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى والإخلاص له ومراقبته في السر والعلانية.
3- تجريد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم.
4- تقوى الله بفعل المأمورات وترك المحظورات.
5- أكل الحلال الطيب والبعد عن الحرام وتجنب الشبهات.
6- الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يرزقك الخشوع.
7- صحبة الخاشعين ومسايرتهم.
ثانيا: أسباب تتعلق بالصلاة، منها:
1- اجمع نفسك وأحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة.
2- استشعار عظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل.
3- الرجاء في الحصول على ثواب الصلاة كاملاً.
4- إحسانُ الوضوء وعدمُ الإسرافِ وتركِ الأعقاب(مؤخرة القدم).
5- تهيأ قبل الدخول في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم(لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) رواه مسلم، وليكن المكان مهيأً للصلاة
6- الحذر من التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة والسعي لها مبكرا مع الأذان.
7- لا تدع النوافل وبخاصة الرواتب كالوتر وسنة الفجر وعليك بقيام الليل.
8- تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها.
9- لا تتعجل في صلاتك ولا تكن الصلاة أهون شيء عندك تؤديها كيفما كان.
10- التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفات أو العبث المنهي عنه.
11- التزم بأحكام الصلاة وآدابها، واجعل نظرك في موضع سجودك، قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري.
12- تابع الإمام فإنما جعل الإمام ليؤتم به.
13- فرغ قلبك من شواغل الدنيا فهي كلها بما فيها من فتن وشواغل لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
14- تجنب الصلاة في الأماكن التي فيها ما قد يشغلك.
15- صلِّ صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا بعد صلاة مكتوبة وأنت لا بد منهم.
أخي المسلم، قال عليه الصلاة والسلام (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهرَ كله) رواه مسلم.
فالخشوع أمره كبير، وشأنه خطير، ولا يتأتى إلا لمن وفقه الله لذلك، وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) رواه الترمذي بسند صحيح
جعل الله لنا من العمل أصوبه وأخلصه، ومن الأجر أتمه وأكمله. اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ....