!........ حب يموت .........!

حب يموت


اليومَ ، بين مصارع الزهر ... والصبحُ يطفئُ جانب القمرِ
حبي يموت .. وأنتِ لاهية ... لم يدرِ سمعُكِ ضجةَ الخبرِ
الكوخة القفراء عن كثب ... تلقي كآبتها على النهرِ ..
والدوحةُ اللفّاءُ ، رنحّها ... أن الربيع يهمُّ بالسفرِ
والجدولُ المحزون قد سرقت ... منه التألقَ ، ظلّه الشجر
فكأنَّ هذا الكونَ صنعُ يدي ... ذوبتُ في جنباته عمري
اليوم أُوهنُ كل خاطرةٍ ... تجلو هواكِ، وكلَّ مُدكرِ
واليوم أكفرُ باللقاء وما ... صبَّ اللقاءُ عليَّ من فِكَرِ
واليوم أُطلِقُ من منابعه ... ماضيَّ ... بين مخالب القدرِ
حتى يظلَّ بكل قاحلةٍ ... تاه الزمانُ بها بلا أثرِ
نسيَ الشراب زمانَ مولده ... فيها وماتَ تنقّلُ البصرِ
بين الصلال يضيع أوله ... ويجفُّ آخره على الحجرِ

***
واليوم بين توهج السحب ... وخبوِّهنَّ ، وضيعة اللهبِ
وتموج الأنغامِ في أفقٍ ... ذابَ الغناءُ به ولم يذَبِ
والطير نازعةً إلى سكن ... عبر الفضاء تصيحُ من طربِ
يقضِي هوايَ وأنت ضاحكةً ... للنجمِ، والظلماتِ ،والشهبِ
هو -لو علمتِ- سحابة نفضت ... عنها بقيةَ ضوئها الشَحِبِ
هو صيحةٌ في الليل أطلقها ... طيرٌ .. فَخَرَّ .. ومات في العشبِ
وهو الوداع ، مسافرٌ تعِبٌ ... ألقاه ثن مضى .. ولم يؤبِ
وهو الشهيدُ على يديكِ هَوَى ... يبكي ويقذفُ بالدمِ السربِ
مزقتِ بالطعناتِ جانبه ... وعصبتِ باصرتيه بالذهبِ
الذكرياتُ غداً سأحرقها ... في جامحٍ ، حنقٍ ، من الغضبِ
و أرجِّعُ النغماتِ يلهمها ... ريفٌ يفيض بفتنةٍ عجبِ!

***
واليومَ .. بين أزاهر الدُفُلِ ... والريح ترعشهنَّ بالقُبَلِ ..
والليلِ يختمُ بالسكون ، على ... غابِ النخيلِ وموحشِ السبلِ
حبي يموت .. وأنتِ نائمةٌ ... يلهو بخصركِ ساعدُ الأملِ
ما كان غير هوى وكلُّ هوى ... بين اثنتين معلقُ الأجلِ
قلبان ، إن خفقا معاً هبطا ... روضاً يعلُّ ثراه بالقبلِ
وإذا استطار الوجدُ بعضهما ... خرّ الشقيُّ على شفى طلَلِ
وافاكِ ينطق بالجوى غَزِلٌ ... لا تقتليه بصامتِ الغَزَلِ!
أأظل أذكر منكِ ناسيةً ... وأعود أُثقل بالأسى رُسُلي ؟
و أراكِ باخلةً عليَّ بما ... جادَ البخيلُ به على عجلِ ؟
أين الرسائلُ بتُّ أرقبها ... وأصبِّرُ الآهاتِ بالعللِ ؟
إن طافَ بين جوانحي أملٌ ... أني أراكِ .. برئتُ من أملي
أعرضتِ عامدةً فما احتملت ... فيه الأنوثةَ عزةُ الرجلِ

***
واليوم حيث تمرَّغ الحُلُمُ ... في ناظرين طواهما ألمُ
مات الغرامُ فهل حلمتِ بهِ؟ ... أو سالَ منه على رؤاكِ دمُ؟
العصفات نسجنَ لي صوراً ... يمشي بهنَّ من الردى نغمُ
ألوانهن تشفُّ عن أرجٍ ... بؤسُ القبورِ عليه ينسجمُ
والعطر تنبعُ من نسائمهِ ... سودُ الشياتِ ، دونه الظُلَمُ
نادى فما صعدت على فمهِ ... إلاّ مقاطع خانهنّ فمُ
فرفعتُ مصباحي ، يفيض دماً ... أبصرتُ فيه دمي، ويضطرمُ
يا للذبالِ .. أكاد أعرفه .. ... ويكادُ يعرفهُ مَعيَ القلمُ
هذي رسائلُ حبي احترقتْ ... وأعزُّ شعري غالهُ العَدَمُ
ذابَ الظلامُ فما رأيتُ سوى ... أنثى تَنَاثَرُ حولها الرمَمُ
تطوي ذراعَ فتى يقولُ لها ... لا تذكريه .. وأُطفِئَ الحُلُمُ

*



الشاعر العراقي
بدر شاكر السيّاب